وصلَ كلٍّ من المظفر ومشاعر الى حيث عوفرا يصرخ ويصيح وقد كانت تلك
الفتاة قد غادرت ، وألقيا عليه التحية إلا أنه لم يرد عليهما تحيتهما
فمن جرّاء ثورة غضبه لم يلحظهما ولم يسمعهما ، وبقي يردد لوحدهويقول
( هل ثلاثتهم يفهمون وأنا والبقية لا نفهم ، وهربوا خارج القصرليلتقوا ببعضهم )
كان هذا هو الذي أثار ثورة عوفرا ، فكيف لمشاعر والمظفر ويوحنا الاجتماع دونه
ويخططون للعمل دون درايته ومعرفته ، في هذا الوقت أعمته الغيرة وأعماه الغرور
فهو الذي يحسب نفسه أنه فقط مَن يستطيع العمل ، وأنه وحده المالك للرأي السديد والتخطيط الأفضل ، وهذا ما يفهمه دوماً من سيدة القصر. تركه كلٍّ من المظفر ومشاعر في تخبطه ، وذهب كلٍّ منهم الى مكتبه يزاول عمله كالمعتاد
لم يُعجب المظفر الكلام الذي ردده عوفرا ، لكنه هنا فضل الصمت قليلاً
ريثما يرى موقف السيدة من هذه الثورة التي أحدثها عوفرا
دون أي داعٍ ودونأي تفكيرٍ مسؤول
سمع المظفر صوت عوفرا والذي كانَ عالياً وهو يتحدث من هاتفه
وعرف أنه يتكلم مع مشاعر فذهب الى زاويةٍ تكاد مخفية عن الأنظار
وهي زاويةٍ تكون بين كلٍّ من مكتب عوفرا ومكتب مشاعر
وراح يسمع ما يجري بينهما من حديث ونقاش
عوفرا لمشاعر وبنبرةٍ حادةٍ متهكمة: هل لكِ أن توضحي لي ما الذي قمتِ به ؟
مشاعربهدوء : قل لي أولاً عن ماذا تتحدث عوفرا ؟
عوفرا :أتحدث عن ذاك اللقاء الخفي ، وعن تلك الخطوة التي قمتِ بها في جانب من جوانب القصر
مشاعر : أنا أولاً لم أقم بأي شئ خاطئ ، ولم أقم بأي شئ إلا من منطلق
الصلاحية التي منحتني اِياها صاحبة القصر وبعلمكم جميعاً ( في هذه الأثناء دخلت الى مكتب عوفرا الفتاة ، والفتاة هي ياعيل، فصارت
تهدأ من عصبية عوفرا وترجوه بأن تكون أعصابه متماسكة
ولا يسمح لها" أي لمشاعر "بأن تستفزه )
عوفرا ولا زالت حدة نبرته ظاهرة : اسمعي يا مشاعر نحن معتادون أن تتم كل الأمور بيننا هنا
بمبدأ التشاوروأنتِ فعلتِ ما فعلتِ دون أن تأخذي رأينا أو موافقتنا
أو ان تضعينا بصورة ما قمتِ بهم
مشاعر : يا فاضلي أنا قلت لك منذ البداية ، أنني لم أقم بأي شئ دون علم سيدة القصر فلماذا أراكَ عصبياً دون أيِّ داعٍ لذلك عوفرا ( أعاد على مسامع مشاعر نفس جملته ) :
هل أنتم ثلاثتكم الذين تفهمون وأنا والبقية هنا لا نفهم ؟
هربتم خارج القصر للتلاقي وعملتم ما عملتم ( من تحت الطاولة ) ( هنا التقطت ياعيل السماعة من يد عوفرالتحدث مشاعر قائلة وبنبرة حادة قالت :
اسمعي يا مشاعر أنتِ جديدة معنا و لا تعرفي عن نظامنا شئ في هذا القصر فأرجو منكِ عدم تجاوزنا
مشاعر تفاجأت بها وبقيت محافظة على رباطةِ جأشها وقالت :
ياعيل أنا أتفهم كل شئ هنا ،ولا يعني أني جديدة بأني لا أملك الخبرة الكافية هذا وكل شئ كان بمعرفة السيدة ولا داعي أن أعيدالحديث مرة ثانية
ها هو عندك عوفرا فليوضح لكِ ما قلته له
( المشهد مكتب عوفرا )
(( لم يَطِبْ للمظفر،والذي سمع كامل الحديث ، ما قاله عوفرا بشأن
لقائه مع مشاعر هو ويوحنا فدخل الى مكتب عوفرا فوراً وقال له )) :
يا رجل أنا لا ولم أتدخل بك وبما تقول فهذا شأنك في حديثك مع مشاعر
لكن بشأن كلامك هذا فلم يهرب أحد من أحد فما فعلناه بلقائنا كان
أمام الملأ وليس بمخفي / وكله كان بعلم سيدة هذا المكان،ثم سأريك المخطط
الذي قدمته لمشاعر من أجل صيانة جزء من القصر وهو الجزء الخاص بي
فأتمنى عليك أن تكون أكثر دقة بألفاظك وبما تقوله
فلا يصح هذا الكلام من رجل مثلك وليس هناك أي سرّ نقوم به
فكله مُعلنٌ للملأ
(( لم يستطع عوفرا الرد بأيةِ كلمة على ما قاله المظفر فصمت
فهو يعرف بأنه لا يستطيع مجاراة المظفر في القول والحكمة))
الى أن جاء يوحنا هو الآخر الى مكتب عوفرا ، وقال قراره الأخير أمامهم جميعاً
ــــ وقرار يوحنا كان من خلال المنصب الذي يتولاه كمديرٍ للقصر ــــفقال:
يا اخوتي أتمنى أن يهدأ الجميع هنا ، وما أُريد قوله أنني قد وافقت
على ما قامت به مشاعر
بحكم موقعي الوظيفي ولا أرى فيه أي شئ يتعارض مع مبادئ وأحكام قصرنا هنا
وعلى جميع الأحوال لنرى الى أين ستصل بنا مشاعر بهذه الاصلاحات أو التطويرات
التي تقوم بها فلعلها تكون لخيرنا جميعاً فهي بعد أيها الأخوة لم تبدأ الا بشئ قليل جداً
وأنتم ثُرتم عليها كل هذه الثورة دون داعٍ ،فيا أخي عوفرا أتمنى أن تكون أكثر
حكمةً وأكثر هدوءً ، واعتبر هذا هو قرارٌ مني أنا يصفتي الإدارية
فيما قامت به مشاعر وأنا موافق عليه، واللقاء يا عوفرا كان لقاء عمل
فلا داعِ لقول مثل ما قلته قبل قليل ، فإننا نعمل من أجل المصلحة العامة
(( سمعت مشاعر ما قاله المظفر وما قاله يوحنا وأُثلج صدرها بموقف هذين
الرجلين واللذان هما التي اختارتهما للنقاش معها ))
واختتمت هي بدورها حديثها مع عوفرا بالقول سأنتظر ما تقوله سيدة المكان
الى جانب ما قاله المظفر وقرار يوحنا بعد ما قاله يوحنا من قرار ،
ذهب الجميع لرأسِ عمله، والجميع كان مترقب ما ستقوله سيدة القصر في كلِّ هذه الإحداث المتسارعة
التي حدثت ،السيدة من مكتبها تُشاهد بواسطة الكاميرات التي وضعتها لتشاهد من خلالها كل أركان القصر وما يجري به - فهي ذكيةٌ جداً في هذا المجال ، وكذلك في أساليب التخفي -
فلم تعد تعرف كيف تتصرف ومَن تستشير في هذه الحالة فأعطت لنفسها
الوقت الكافي كي تُفكر ، لأنها تعلم أن الجميع ينتظر منها القول الفصل في كل ما حدث
وحتى تضع لهم النقاط على الحروف ، وتبقى الأمور تسير في القصر
بهدوء ودون أيةِ مشاكل
أو سوء تفاهم بين أيٍّ كان فهي من محبي الهدوء في هذه الأثناء
لم تهدأ ثورة عوفرا ، فقد صارت ثورةً صامتةً وبقي يتواصل مع السيدة ما بين لحظةٍ واخرى
محاولاُ ثنينها عن قرارها بشأن ما أعطته لصديقتها الغالية مشاعر من صلاحيات
وكذلك بشأن ما قامت به من عملٍ بسيط وإعادته كما كان عليه سابقاً
وكذلك الغاء قرار يوحنا الذي كان صادماً بالنسبةِ له
( المشهد مكتب السيدة ) تشبعت السيدة كثيراً من كلام عوفرا ، وبما أوهمها بها وبأن كل ما يقومون به
ثلاثتهم ليس بالأمر الصائب
حتى جعلها تتناسى أو تنسى أنها هي مَن وافقت منذ البداية
على كل ما قاموا به ( مشاعر والمظفر ويحنا )
بعد ساعةٍ من الزمن أو ربما أكثر طلبت السيدة من كل المعنيين التواجد عندها في المكتب
وهم يوحنا والمظفر وعوفرا ومعهم ياعيل التي أقحمت نفسها في الموضوع دون داعي
حضر الجميع الى مكتبها ما عدى مشاعر التي كانت قد غادرت القصر
من أجل اِتمام بعض الأعمال الخاصة بها
جلسوا جميعاً كالمعتاد على طاولة الإجتماعات والسيدة مترأسة الإجتماع
فوقفت وألقت عليهم التحية وقالت:
لا أريد أن أُطيل عليكم كثيراً ، وقد رأيت وسمعت كل ما دار بينكم من حديث
ولا أُريد أن نعيده هنا للنقاش أو المداولة ، فلقد اعتبرته كأنه شيئاً لم يكن
وعليه فإني قررت أن يبقى الحال كما هو عليه في كافة أنحاء القصر
ومسألة الإصلاحات والتطويرات نؤجلها لأجلٍّ غير مسمى
وأشكركم كلكم ، وأتمنى أن يتفهم الجميع قراري هذا وأن تعلموا به
فأول مَن قام ليشكر ويُبجل كلمة السيدة وقال كلمته بعدها هو يوحناوقال :
قرارٌ من السيدة هو حكيم وصائب ، وأنا أعتذر عن قراري فكلنا خطاؤون
ولكن علينا أـن نعترف بالخطأ ونتراجع عنه في الوقت المناسب
وها أنا أمامكم أعتذر وأتراجع عن قراري الذي قلته قبل ساعات
وربما كنتُ متسرعٌ به بعض الشئ فاعذروني .
(( كان قرارالسيدة صادمٌ جداً للمظفر ، ومُفرحٌ جداً لـ عوفرا وياعيل ومعهم يوحنا
لم يدرِ المظفر ماذا يقول حينها ، لكن علامات الغضب ظاهرةًجليّةً على كل ملامحه
وحتى على نظراته التي يرمق بها السيدة حيناً ويوحنا حيناً آخر ))
ذهولٌ أصابه للمظفر وباطنه كله قد امتلأ تساؤلات وذهول واستغرابلكِّ هذا التنقاضات والتي ظهرت كلها مرة واحدة وفجأة
فكيف يكون هكذا التناقض الكبيرفي لمح بصر ، كيف للسيدة أن ترمي بصديقتها
- والتي هي مَن أتَتْ بها وقالت أنها غالية على نفسها -
ولم تكترث لصديقتها وماذا سيكون من ردة فعلها،ولم تكترث لذاك التعب الذي تعبته
على مدار ليالٍ من أجل انجاز ما تم اِنجازه لحينه ، فكيف يكون هذا الاستهتار
بالعمل والمشاعر وحتى استهتارٌ بالصداقة التي وصفتها بالغالية
بعد أن غادر المظفر مكتب السيدة مع الجميع الذين كانوا متواجدين لحظتها
ذهب الى مكتب مشاعر ليسألها لمَ لم تأتِ، فلم يجدها في مكتبها
وعاد الى مكتبه وتحدث هاتفياً مع مشاعر
- فثورة الضيق والغضب اللتان في صدره لم يستطع كبحها -
فسألها أين أنتِ ؟فقالت :أنا في طريقي القصر
فقال : اذن اسرعي ، فهناك أمور عاجلة وطارئة وصادمة قد حصلت
قالت : لعله خيراً ، لقد أخفتني ، هل لك أن تعطيني ولو فكرة بسيطة عن ما حدث؟
قال :باختصار شديد ، أُلغي كل شئ ، ويوحنا تراجع عن قراره
والسيدة قررت عكس ما اتفقت معكِ عليه وعلى النقيض منه
قالت:حسناً يا مظفر ، لا عليك إني قادمة
....
فما ردة فعل مشاعر ستكون ؟
وما ردة فعل المظفر الغاضبة والتي ما زال يكبتها في نفسه؟
وما موقف السيدة المتقلب هي وعوفرا ؟
ربما هناك تساؤلات جمة أكثر من هذه
وسنعرف تفاصيلها في الحلقة القادمة بحول الله
فابقوا بالقرب