مع العلم أن الشخص المتمني يعلم علم اليقين أن أحكام الله سبحانه
وتعالى لا تناقش ، وأنه لا أحد يقترح على الله سبحانه وتعالى .
الجواب :
الحمد لله الذي ينبغي أن يمسك المرء لسانه ، ولا يتكلف ما ليس له به علم ، ولا يتكلم فيما لا يعنيه ولا فائدة من ورائه . وقول القائل : " لو كان رمضان طيلة السنة لقلت المنكرات " وإن كانت لا تظهر لنا مخالفة شرعية في مجرد هذا القول ؛ لثبوت قلة المنكرات في رمضان شرعا وقدرا ؛ لأن الشياطين تسلسل فيه ويقل إغواؤهم وإيذاؤهم ؛ فالذي ينبغي ـ
رغم ما ذكرناه ـ ألا نطلق ذلك ؛ فلا أحد يدري ما كان يصير أمر العباد
لو أن الله كلفهم بصيام السنة كلها ؛ فذلك من أمر الغيب الذي
لا يعلمه إلا الله ، وقلة المنكرات في رمضان الذي فرضه الله على عباده ، ليس بلازم أن يكون الحال كذلك ، لو أن الله قدر عليهم أن تكون السنة كلها رمضان ؛ وقد قال الله تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ
مَا لَا تَعْلَمُونَ ) الأعراف/33، وقال تعالى : ( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ) الإسراء/36 . وأما قوله : " ولكان ذلك أفضل " فهذا أدخل في الباطل ؛ بل فيه من الجرأة على الله ، والقول على الله بغير علم ، الاقتراح عليه ما فيه ، وهو أدخل في سوء الأدب مع الله ، وأشبه بالاعتراض على شرعه
وقدره سبحانه ، وقد منع الله تعالى أن يكون لأحد من خلقه شيء
من الاختيار معه ، كما قال تعالى :
( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) القصص/68 ، فنفى أن يكون لأحد من خلقه شيء من
الاختيار معه فيما خلق وقدر . وقال تعالى أيضا :
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ) الأحزاب/36 ، فنفى أن يكون لأحد من خلقه شيء من الخيرة في أمره وشرعه . وتأمل ما وقع في خلق آدم ، وما كان من شأن الملائكة مع رب العزة في
ذلك : ( وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) البقرة/30 . قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله : " وهذا بحسب ظنهم أن الخليفة المجعول في الأرض سيحدث منه ذلك ، فنزهوا الباري عن ذلك ،
وعظموه ، وأخبروا أنهم قائمون بعبادة الله على وجه خال من المفسدة فقالوا: ( وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ )
أي: ننزهك التنزيه اللائق بحمدك وجلالك ، ( وَنُقَدِّسُ لَكَ ) يحتمل أن معناها: ونقدسك، فتكون اللام مفيدة للتخصيص والإخلاص ، ويحتمل أن يكون : ونقدس لك أنفسنا، أي: نطهرها بالأخلاق الجميلة ، كمحبة الله وخشيته وتعظيمه ، ونطهرها من الأخلاق الرذيلة. قال الله تعالى للملائكة: ( إِنِّي أَعْلَمُ ) من هذا الخليفة ( مَا لا تَعْلَمُونَ ) ؛ لأن كلامكم بحسب ما ظننتم، وأنا عالم بالظواهر والسرائر، وأعلم
أن الخير الحاصل بخلق هذا الخليفة ، أضعاف أضعاف ما في ضمن ذلك من الشر فلو لم يكن في ذلك إلا أن الله تعالى أراد أن يجتبي منهم الأنبياء والصديقين ، والشهداء والصالحين ، ولتظهر آياته للخلق ، ويحصل من العبوديات التي لم تكن تحصل بدون خلق
هذا الخليفة ، كالجهاد وغيره ، وليظهر ما كمن في غرائز بني آدم من الخير والشر بالامتحان ، وليتبين عدوه من وليه ، وحزبه من حربه ،
وليظهر ما كمن في نفس إبليس من الشر الذي انطوى عليه ،
واتصف به ، فهذه حكم عظيمة ، يكفي بعضها في ذلك " انتهى من "تفسير السعدي" (48-49) . والله أعلم .