الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛
فإنّ تعدّد القراءات ميزةٌ خاصَّةٌ بالقرآن الكريم، ولا توجد في أيّ كتابٍ سماويٍّ آخر، وهذا التعدّد في قراءة الآية الواحدة دليلٌ على إعجاز القرآن الكريم، فمع تعدّد وجوه قراءة الآية الواحدة؛ فإنّ كلّ معنى تأتي به القراءة لا يخالف ولا يضاد المعنى الذي تأتي به القراءة الثانية، وإنّما تأتي المعاني مصدِّقَةً لبعضها، وهو دليلٌ على أنّ القرآن من عند الله -تعالى-، كما أن للقراءات العشر المتواترة وما حوته من أوجه البلاغة والبيان والإيجاز فوائد عظيمة في غزارة المعاني مع إيجاز الألفاظ، فإن كل قراءة بمنزلة الآية، وهذا ضربٌ آخر من إعجاز القرآن، حيث شملت الآية الواحدة مع تعدّد لفظها على معانٍ كثيرةٍ.
من خلال علم القراءات؛ فإنّ المسلم يستطيع معرفة القراءات الصحيحة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم والقراءات الشاذة، وبهذه المعرفة تتمايز القراءات، ويعرف المسلم ما يُتعبَّد به وما لا يجوز التعبد به؛ فعلم القراءات سورٌ حصينٌ يحفظ ألفاظ القرآن من التحريف.
إنّ علم القراءات له أهميَّةٌ كبيرةٌ في علم التفسير، حيث يكون نظر المفسر للآية الكريمة ضمن التعدّد الذي جاءت به القراءات، وهذا يوسّع المعاني المستنبطة من الآية الكريمة، أو قد يقيّد المطلق، أو يخصّص العام منها، وقد حَوَت كتب تفسير المتقدّمين خاصَّةً على هذا النوع من التفسير الذي يأخذ بعين الاعتبار تعدَّد القراءات.
إنّ المشتغلين في هذا العلم يبذلون جهدهم في تتبع المعاني، واستنباط الأحكام، والكشف عن توجيه القراءات، وكذلك فقد بذلوا وسعهم في الحفاظ على الأداء اللفظي لكلمات القرآن الكريم من التحريف، وعنوا بالمحافظة على الإسناد الصحيح المتصل بالنبي صلى الله عليه وسلم.