عرض مشاركة واحدة
قديم 01-28-2024, 04:27 AM   #2



 
 عضويتي » 39
 جيت فيذا » Feb 2022
 آخر حضور » اليوم (03:35 PM)
آبدآعاتي » 43,242
 حاليآ في »
دولتي الحبيبه » دولتي الحبيبه Egypt
جنسي  »
 التقييم » نور تم تعطيل التقييم
 

نور متواجد حالياً

افتراضي





-وما تقرب إلي عبدي.......عليه : الفقرة الثانية من الحديث: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ): مقام العبودية أعلى مقام يبلغه الإنسان، لكن هناك -كما قلت لكم من قبل- عبادٌ، وهناك عبيد، وفرقٌ كبير بين العباد والعبيد، العباد هم الذين عرفوا الله، واستسلموا له، وانقادوا لأمره طواعيةً، أما كل إنسانٍ من عبيد الله، هؤلاء مقهورون بالعبودية، يعني هو بيد الله، أو بعبارةٍ أخرى هو في قبضة الله عزَّ وجل، أنت عبدٌ لله بمعنى أنك في قبضته، في أية لحظةٍ ينهي حياتك، في أية لحظةٍ يصاب الإنسان بخلل في أجهزته، تصبح حياته جحيماً، في أية لحظة يفقد ماله كله، في أية لحظة ينهيه الله عزَّ وجل .
فمعنى عبد بالمعنى الأول: أنه مقهور، أنت في قبضة الله عزَّ وجل، فالعبد الذي جمعه عبيد، أي إنسانٍ على ظهر البسيطة من عبيد الله، لكن العباد أناسٌ عرفوا ربهم، واستقاموا على أمره، وتقربوا إليه، وأحبوه، هؤلاء عباد وليسوا عبيداً, قال تعالى:

ï´؟وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناًï´¾
[سورة الفرقان الآية: 63 ]
شيءٌ آخر: الله سبحانه وتعالى حينما ينسب العبد إلى ذاته، فهذه كما قال بعض شرَّاح الحديث:
((هذه نسبة تشريف))
فالله سبحانه وتعالى في عليائه نسبك إليه فقال: أنت عبدي، فكلما قرأت حديثاً قدسياً:
((يا عبادي))
((عبدي كن لي كما أريد, أكن لك كما تريد))
هذه الأحاديث التي تفتتح بكلمة عبدي، ينبغي أن تهز مشاعر الإنسان، كأن يقول أب لابنه: أنت ابني, يعني منتهى الإنتماء، منتهى التشريف، منتهى العناية، منتهى العطف، منتهى التأييد، أنت ابني حقاً .
قال: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ): قلت لكم في خطبةٍ سابقة: ربنا سبحانه وتعالى يقول:

ï´؟يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَï´¾
[سورة المائدة الآية: 35]
الوسيلة: أي شيءٍ قربك من الله عزَّ وجل، أنت في دمشق، والهدف حمص، أي شيءٍ قربك إلى هذه المدينة فهي وسيلة، فالدراجة وسيلة، والدراجة النارية وسيلة، والسيارة وسيلة، والقطار وسيلة، والطائرة وسيلة, إذا كان في بحمص مطار طبعاً, فكل شيءٍ يقربك إلى الله عزَّ وجل هو وسيلة .
إذاً: (وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي): تقرب بعملٍ صالح، تقرب بطاعته، تقرب إلي بكف شهواته عن محارمي، تقرب إلي بإطعام الجائع والمسكين، تقرب إلي برعاية اليتيم، تقرب إلي بالنصح للمسلمين، تقرب إلي بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تقرب إلي بقراءة القرآن، تقرب إلي بخدمة الخلق، تقرب إلي بتربية أولاده .
(وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ): يعني كل شيءٍ يمكن أن يرفع من مكانتك عند الله عزَّ وجل، كل شيءٍ تشعر أنه يقربك من الله, فهو من القُربات، فالإنفاق من القربات، والصلوات من القربات، والصيام من القربات، وعمارة المساجد من القربات، وخدمة الخلق، أي شيءٍ يرضي الله, فهو مما يقربك إليه .
وأنت أيها الأخ الكريم, بفطرتك تعرف ما الذي يرضيه, من دون أن يعلمك أحد، إذا أمطت الأذى عن الطريق، فأنت تتقرب إليه .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:

((الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً, وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ))
أن تفرغ دلوك في دلو المستسقي قربة، أن تعطف على يتيم .
عَنْ سَهْلٍ, قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

((أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا, وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى, وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا))
[أخرجه البخاري في الصحيح, وأبو داود في سننه, والترمذي في سننه عن سهل بن سعد الساعدي]
أن ترعى أرملةً, ليس لها أحد قربة، أن تنصح الناس في البيع والشراء قربة، أن تخدم عباد الله جميعاً قربة إلى الله عزَّ وجل، هذه القربات كثيرة جداً لا تعد ولا تحصى .
بعضهم قال:

((الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق))
((وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ))
الآن: سوف ينبئنا الله عزَّ وجل في هذا الحديث القدسي, عن الشيء الثمين الذي يحب أن نتخذه قربةً إليه، قال:
((وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ))
الفرائض، لماذا؟ قال:
((لأن الأمر فيها جازم –الفرائض-, ولأن من يفعلها يثاب، ومن يتركها يعاقب))
من تعريف الفريضة: أنه يثاب فاعلها، ويعاقب تاركها، والأمر بها قطعي وليس ظنياً ، المكروهات، والمندوبات, الأمر بها ظني، لكن الفرائض الأمر بها قطعي، قطعيٌ في صياغته، قطعيٌ في لزومه، قطعيٌ في إيجابه، ومن يفعله يثاب, ومن تركه يعاقب، لذلك:
((وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ))
الصلوات الخمس في الدرجة الأولى، صيام رمضان، حج البيت, قال تعالى:
ï´؟وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِï´¾
[سورة آل عمران الآية: 97]
أداء الزكاة، غض البصر، الكسب الحلال، الإنفاق الصحيح، تربية الأولاد، رعاية الزوجة، الإحسان إلى الجار، الأشياء التي وردت فيها نصوص ملزمة، بمعنى واجبة، هذه من الفرائض، لذلك قبل أن تذهب إلى العمرة كل عام، ولك أولادٌ ضائعون، محتاجون إلى رعايتك ، فأفضل شيءٍ أن تتقرب إلى الله عزَّ وجل بما افترضه عليك .
هناك أناسٌ يلهثون وراء النوافل ويدعون الفرائض، هناك أناسٌ لم يعرفوا نسبة أي شيءٍ في الدين إلى جوهره، فظنوا الأشياء الثانوية في الدين جوهراً، فألحوا عليها، وتمسكوا بها، وتركوا أصل الدين، لئلا نضيِّع الفرائض، ونُعْنَى بغير الفرائض، الله سبحانه وتعالى في هذا الحديث القدسي يقول:

((وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ))
أمرك أن تكون صادقاً، فإذا فعلت أفعالاً طيبةً نافلةً وكذبت، ماذا فعلت؟ أنت تركت الفريضة، واتبعت النافلة، هذا موقف فيه تناقض، هذا موقف غير متوازن، فالله سبحانه وتعالى في هذا الحديث يقول:
((وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ))
قال تعالى:
ï´؟إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاًï´¾
[سورة النساء الآية: 103 ]
الزكاة:
((برئ من الشح من أدى زكاة ماله))
أنا لا أقول هذا تصوراً أو تخيلاً، ولكن أقول هذا عن وقائع اطلعت عليها، فتجد هناك شخصيات مضحكة، يترك الفرائض ويعنى بغير الفرائض، يحرم أولاده ليذهب إلى العمرة كل عام، وأولاده في أمس الحاجة إليه، لذلك المؤمن يجب أن يعرف أي شيءٍ يفعله، ما علاقته بجوهر الدين؟ .
هذا مثل يقرب هذا الموضوع: هذه السيارة، لو فرضنا أن رجلاً في طريقه سفر طويل، وأصاب المحركَ خللٌ خطير، وجد خللا في آخر الباب، يا ترى أيهما أهم: أن تصلح خلل الباب، أم أن تصلح خلل المحرك؟ هذا الذي يدع المحرك معطلاً، ويهتم بإصلاح باب السيارة، ويتألَّم لهذا الخلل، وينسى أن هناك خللاً أخطر، وهو المحرك، هذا ما عرف أن المحرك هو جوهر السيارة، وأن هذا الباب يمكن أن يبقى بهذا الوضع إلى نهاية الطريق، فهذا المثل يوضح بعض حقائق الدين .

((وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ))
بالمناسبة: العدل قسري، أما الإحسان فطوعي، ومع أن الله سبحانه وتعالى يقول:
ï´؟إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِï´¾
[سورة النحل الآية: 90]
العدل قسري، يعني قبل أن تفعل النوافل, عليك أن تؤدي الحقوق، عليك أن تتقن عملك ، عليك أن تنفع المسلمين، مثلاً النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((ليس منا من وسع الله عليه, ثم قتر على عياله))
الأقربون أولى بالمعروف، الأقربون إليك أولى بمعروفك, لأنك تعرفهم، فالذي أريده: أن الله سبحانه وتعالى في هذا الحديث القدسي, أكَّد أن الشيء الذي يدفعك إلى الله سريعاً، أن تقوم بالفرائض، لذلك لا تقبل نافلة إلا إذا أديت الفريضة .
امرأةٌ مثلاً تصلي قيام الليل، والله شيء جميل جداً، تصلي صلاة الأوابين، تصلي الضحى، ومظهرها في الطريق فيه خلل، معصية للشرع، فأيهما أولى؟ أن يكون مظهرها في الطريق إسلامياً، تطبق فيه الشرع، هذه أولى من هذه .
يعني: في عندنا بالتعبير الحديث: سلم الأولويات، يجب أن تبدأ بالأولويات، فكلما انتهيت من شيء أساسي, انتقلت إلى شيءٍ آخر، أما أن تبدأ بالثانويات، وتدع الأشياء الأساسية، هذا ليس من الاستقامة في التفكير في شيء .

3-وما يزال عبدي.........لأعيذنه:
والفقرة الثالثة من الحديث:
((وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ))
الآن: جاء دور النوافل، بعد الفرائض جاء دور النوافل، صلى الضحى، لماذا صلى الضحى؟ لأنه يحب الله عزَّ وجل، أدى زكاة الفريضة، ودفع فوق الزكاة مثل الزكاة صدقة، رعى أخوانه، رعى جيرانه، رعى أولاده وهو ملزمٌ بهم، ورعى يتيماً غير ملزمٍ به .
(وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ): وما يزال؛ مداومة، استمرار، يتقرب، ويتقرب، ينفق فوق الزكاة، يصلي فوق الفرائض، يصوم فوق رمضان زيادة عن رمضان، يفعل الصالحات، يخدم الناس .
(وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ): إلى أن يبلغ هذا العبد, أن يحبه الله عزَّ وجل:

((وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ))
يطعم الحيوان، ليس كل مصلٍ يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكفَّ شهواته عن محارمي، ولم يصر على معصيتي، وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب ، وآوى الغريب .
(وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ): وإذا أحبك الله نلت كل شيء, صدق القائل:


فليتك تحــلو والحيـاة مريرةً وليتك ترضـى والأنام غضابُ
ولــيت الذي بيني وبينك عامر ٌ وبيني وبيــن العالمين خرابُ
إذا صح منك الوصل فالكل هينٌ وكـل الذي فوق الترابِ ترابُ

يا أيها الأخوة، إن شعور الإنسان بأن الله سبحانه وتعالى يحبه، هذا الشعور والله يفوق أن تملك الدنيا بأكملها، قبل درسين أو أكثر أو في الدرس الماضي، ثمة إنسان يملك محل في مكان مهم جداً، يقول لك: هذا المتر منه بخمسمئة ألف، لا يتكلم، تريد أن تبيع المحل؟ لا يتكلم ، فقط يرفع رأسه، محلان، ثلاثة، محل, وطابق, ومكتب, ومستودع كامل، شارع بأكمله وعلى الصفين، كل الشوارع التجارية الضخمة في المدينة تملكها أنت، وكل الشوارع التجارية في العالم كلها تملكها أنت، وكل الشركات ذات الجنسيات المتعددة الضخمة التي ميزانية أحدها كميزانية مجموعة دول، كل هذه الشركات تملكها أنت، وكل ناقلات النفط لك، وكل شركات الطيران لك، والله الذي لا إله إلا هو لا تعدل هذه كلها أن يحبك الله عزَّ وجل .
(وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ, فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ): كيف؟ هذا الحديث مشكل، الله سمعنا, معنى الحديث يعني: كنت حافظاً لسمعه، هذا السمع أحفظه له، وهذه العين أحفظها له، وهذا اللسان أحفظه له، وهذه اليد أحفظها له، وهذه الرجل أحفظها له، كنت سمعه هذا المعنى الأول .
المعنى الثاني: إذا فعل الفرائض، وفعل النوافل، وأقبل علي، استنار قلبه بنوري، عندئذٍ لا يسمع إلا الحق, لا يسمع الغناء، ولا الفحش، ولا البذاءة، ولا الكلام الفارغ، ولا الغيبة، ولا النميمة، ولا كلام السوء، فهذا السمع صار مصوناً بنور الله، هو استقام على أمره، أدى الفرائض، وأدى النوافل، وأقبل على الله عزَّ وجل، فاستنار قلبه عندئذٍ, حفظ الله له سمعه، لم يعد يمضي الساعات الطويلة في سماع ما لا يرضي الله عزَّ وجل، ولم يعد يمضي السهرات الطويلة في القيل والقال، وفي الخلافات والمشكلات، ولم يعد يتحدث عن النساء، لم يعد مزاحه رخيصاً .
(كُنْتُ سَمْعَهُ): فصار إنسانًا كاملا، لا يسمع إلا الحق، ويطرب للقرآن، أنا أقول لكم: والله الذي لا إله إلا هو, لو جمعت ذواقي الغناء في العالم، ما بلغ طربهم بما يستمعون إليه طرب المؤمن للقرآن، هذه الأذن تسمع القرآن، تسمع مدح النبي العدنان، تسمع الحق، تسمع النُصح، تسمع الأمر بالمعروف, والنهي عن المنكر .
المعنى الأول: أحفظ له سمعه، كنت حافظاً سمعه، المعنى الثاني: ما دام قد أقبل علي، عندئذٍ أحفظ له سمعه من أن يسمع باطلاً .
(كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ): أي كنت حافظاً لبصره .
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:


((سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: عَيْنَانِ لَا تَمَسُّهُمَا النَّارُ؛ عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ, وَعَيْنٌ بَاتَتْ تَحْرُسُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ))
[أخرجه الترمذي عن ابن عباس في سننه]
فهذه العين التي تطيع الله فيها, الله سبحانه وتعالى يحفظها لك، والقصة الشهيرة تعرفونها, قلتها كثيراً، هذا العالم الجليل الذي بلغ السابعة والتسعين، وقد بدأ بتعليم الطلاَّب العلم الشريف الشرعي, في الثامنة عشرة من عمره، يعني ظل يعلم سبعين عاماً، وكان إذا رأى أحد طلابه في الطريق قال له: يا بني, أنت كنت طالبا عندي، وكان أبوك طالبا عندي، وكان جدك طالبا عندي، علَّم ثلاثة أجيال، وهذا الذي بلغ الثامنة والتسعين وكان صحيحاً، حاد البصر، مرهف السمع، منتصب القامة، أسنانه في فمه، نشيطًا, قويًا، فكان طلابه يسألونه سؤال المتعلم:
((يا سيدي, ما هذه الصحة التي حباك الله بها؟ كان يقول قولته الشهيرة: يا بني حفظناها في الصغر, فحفظها الله علينا في الكبر، من عاش تقياً عاش قوياً))
هذه: (كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ): حفظت له سمعه من أن يتلف، وحفظت له سمعه من الباطل: (كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ, وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ): وكذلك البصر .
الآن: (وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا): فهذه اليد لا تفعل إلا حقاً، لو أنها ضربت تضرب بالحق، تمسك بالحق، تلمس بالحق، هذه اليد لا يمس بها يد امرأةٍ لا تحل له.
(وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا)؛ أي أحفظ له يده عن أن تفعل منكراً، عن أن تفعل باطلاً، عن أن تعتدي، عن أن تفعل ما لا يجوز, وما لا يرضي الله عزَّ وجل .
(وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا): كذلك حركاته إلى المساجد، إلى الإصلاح بين الناس، إلى خدمة الخلق، إلى الدعوة إلى الله، إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إلى عمله ليكسب منه رزقه .
من لوازم حب الله تعالى لهذا الإنسان:

((وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ))
صار الإنسان غاليًا على الله عزَّ وجل، صار هذا الإنسان مستجاب الدعوة، غالٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ, وَأَبِي هُرَيْرَةَ, قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
((إِنَّ اللَّهَ يُمْهِلُ, حَتَّى إِذَا ذَهَبَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلُ, نَزَلَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا, فَيَقُولُ: هَلْ مِنْ مُسْتَغْفِرٍ؟ هَلْ مِنْ تَائِبٍ؟ هَلْ مِنْ سَائِلٍ؟ هَلْ مِنْ دَاعٍ؟ حَتَّى يَنْفَجِرَ الْفَجْرُ))
إذاً:
((وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ))
وفي الحديث الشريف:
((لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئت به))
إذا كان هواه علوياً، وتبعاً لما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، صار سمعه، وبصره، ويده، ورجله، هذه كلها أصبحت تعمل وفق الأمر والنهي .
الآن: (وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ): إن سألني أعطيته، أمـا ولئن أعاذني لأعيذنه، هذه النون للتوكيد، لماذا جاء هنا نون التوكيد؟ قيل: لأن درء المفاسد مقدمٌ على جلب المنافع، الإنسان أحياناً يفزع, ويطلب من الله الإكرام، لكن دفع الفزع عنه، ودفع الضر عنه، ودفع المصيبة عنه أوقع عنده من جلب المنفعة، لذلك ربنا سبحانه وتعالى مبالغةً في زيادة الطمأنينة لهذا المؤمن الذي أحبه الله عزَّ وجل، يقول:

((وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ, وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ))
على كلٍ؛ هذا الحديث أتمنى عليكم أن تعودوا إليه، وأن تقرؤوه في كتاب رياض الصالحين، في باب علامات حب الله تعالى العبد، والحث على التخلق بها، والسعي في تحصيلها .
أولاً فيه موضوعات دقيقة: ألا تؤذي أولياء الله، وأن تفعل الفرائض، وأن تتقرب إلى الله بالنوافل، وعندئذٍ تقطف الثمار والنتائج، طبعاً: هذا الحديث رواه البخاري, كما قلت قبل قليل .







إليكم الحديث عن حياة حمزة بن عبد المطلب قبل ظهور الإسلام :
والآن: إلى قصة سيدنا حمزة رضي الله عنه .
أيها الأخوة, قبل أن نتحدث عن بعض اللقطات, عن هذا الصحابي الجليل: سيدنا حمزة بن عبد المطلب، كانت مكة قبل أن يظهر الإسلام, حافلةً بألوان اللهو، وكانت المدينة الأولى في الجزيرة، والقرشيون منغمسون في تجارتهم، وملذَّاتهم، ولهوهم، وتباهيهم، وتفاخرهم، والنبي عليه الصلاة والسلام قبل البعثة كان مشغولاً بربه، كان يمضي الليل والنهار في التفكر في خلق السموات والأرض، كان يمضي الليل كله في مناجاة ربه.
لذلك هذا النبي العظيم, إضافةً إلى عبادته، وإلى حبه، كانت له أخلاقٌ سامية، هذه الأخلاق السامية ظاهرة، ظاهرة العيان، فأولو العقل واللب، هؤلاء الذين عاشوا مع النبي, ممن جاوره، ممن لاذوا به بقرابة، ممن كانوا معه، ممن كانوا في سنه، ممن تعاملوا معه قبل البعثة، طبعاً دهشوا لأخلاقه الرضيَّة، دهشوا لعفَّته، دهشوا لصدقه، لأمانته، لتعففه, مع أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يبعث بعد، كان عليه الصلاة والسلام معقد أنظارهم، وكان يلفت نظر الناس من حوله, لما يتحلى به من أخلاقٍ رضية .
شيءٌ لطيفٌ في قصة النبي عليه الصلاة والسلام: أنه كان يمضي معظم الوقت متهجداً .
مرةً قالت له زوجته السيدة خديجة رضي الله عنها:

((ابقِ نائماً، أو خذ قسطاً من الراحة، فقال قولته الشهيرة: يا خديجة لقد انقضى عهد النوم))
انظر الإنسان كيف يمضي وقته؟ الوقت ثمين جداً، والحديث في الخطب السابقة عن الوقت:
((يا خديجة لقد انقضى عهد النوم))
فالإنسان يراقب نفسه، كيف أمضيت هذه الساعة؛ في لهوٍ، في نومٍ، في طلب علمٍ، في خدمة الناس، في قراءة القرآن؟ كيف أمضيتها؟ ما الذي يقلقني؟ ما الذي يهمني؟ ما الذي أفرح له؟ ما الذي أرجوه؟ ما الذي يخيفني؟.
((قل لي ما الذي يخيفك؟ أقل لك مَن أنت، قل لي ما يرضيك؟ أقل لك من أنت))
ربنا عزَّ وجل يقول:
ï´؟لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ الْعَامِلُونَï´¾
[سورة الصافات الآية: 61]
ï´؟فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواï´¾
[سورة يونس الآية: 58]
فرحك، وغضبك، وحزنك، ورجاؤك، وطموحك، وهدفك، هذا يحدد هويتك .
فالنبي عليه الصلاة والسلام قال:

((انقضى عهد النوم يا خديجة))
أمر النبي كان معقد نظر أهل قريش، وكان سيدنا حمزة رضي الله عنه ترب النبي عليه الصلاة والسلام، هو عمه، ولكنه في سنه، كان ترب النبي، وكان أخاه من الرضاعة في الوقت نفسه، وكان ذكياً وعاقلاً، وكان حصيفاً, إلا أنه سلك مسلك زملائه من الشباب, حينما أقبل على الدنيا .
النبي عليه الصلاة والسلام أقبل على ربه، وهو أقبل على الدنيا، ولكن لا يخفى أن هذا الصحابي الجليل, كان على مستوىً رفيع من العقل، ومن الشجاعة، والمروءة، ولكنه انصرف إلى ما انصرف إليه الناس .
أحياناً: تجد إنسان يقع في مخالفة، لكن له معدن طيب، له معدن نبيل، عنده مروءة، من هنا قال عليه الصلاة والسلام:

((خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام))
هؤلاء الذين أسلموا لهم جاهلية، ولكنهم وهم في جاهليتهم كانوا كراماً، كانوا أصحاب مروءة، كانوا أصحاب إنصاف .
فسيدنا حمزة مع أنه سلك مسلك أترابه قبل البعثة، لكنه يعرف أنه لسيدنا محمدٍ عليه الصلاة والسلام شأناً كبيراً، يعرف أن ذا أخلاقٍ رفيعة، هذا الذي عرفه عن النبي, كان ممهداً لإسلامه .
كان سيدنا حمزة, لا يعرف النبي عليه الصلاة والسلام معرفة العم بابن أخيه، كانت معرفة الصديق للصديق، والأخ للأخ، كان تربه, وكان أخاه من الرضاع، وحينما نشأا نشأا معاً، ولعبا معاً، وتآخيا معاً، وسارا معاً، لكن النبي أقبل على ربه، وسيدنا حمزة اتجه إلى ما اتجه إليه الناس .

تابع







 توقيع : نور

سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ


رد مع اقتباس
 
1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102