منتديات عاشق الحروف

منتديات عاشق الحروف (https://ashqhrof.com/vb/index.php)
-   •~ نبـي الرحمه وصحابته ~•
(https://ashqhrof.com/vb/forumdisplay.php?f=77)
-   -   تسعة مشاهد في حديث وأحد (https://ashqhrof.com/vb/showthread.php?t=65671)

ملكة الحنان 11-04-2022 02:46 PM

تسعة مشاهد في حديث وأحد
 
تسعة مشاهد في حديث واحد



إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، أما بعد:
فإنَّ أصدق الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهديِ هديُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالةٍ في النار.

أعاذني الله وإياكم وسائر المسلمين من النار، ومن كل عمل يقرب إلى النار، اللهم آمين.



رسولنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم أخبر عنه الله فقال سبحانه: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم: 3، 4]، وحْيٌ يُوحَى فيما يقول، وفيما يفعل، وفيما يأمر، وفيما ينهى، حتى الرؤيا التي يراها في منامه بوحي من الله.

الحلم من الشيطان، فالأنبياء لا يرون أحلامًا؛ وإنما يرون رؤى، ورؤيا الأنبياء حقٌّ، وهذا حديثٌ طويلٌ أخرجه البخاري ومسلم، وغيرهما يروي فيه النبيُّ صلى الله عليه وسلم مشاهدَ، لنأخذَ العِلمَ منها، فإذا تعلَّمنا فلنعملْ بما نتعلَّم.

هذا الحديث رواه سَمُرة بن جندب رضي الله تعالى عنه، قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ): ((هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟))؛ أَيْ: يَعْبُر لَهُمْ الرُّؤْيَا (فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ رُؤْيَا قَصَّهَا، فَيَقُولُ): ((مَا شَاءَ اللهُ!))، فَسَأَلَنَا يَوْمًا فَقَالَ: ((هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟))، فَقُلْنَا: لَا)، فلم يتقدَّمْ أحدٌ، والعجيبُ أنَّ أحدًا من الصحابة الذين صلَّوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم لم ير أحد منهم رؤيا تلك الليلة، (قَالَ) صلى الله عليه وسلم: ((لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ))، من البشر؟ أم من الجنِّ؟ أم من الملائكة؟ إنهم من الملائكة، ما اسمهما؟ جبرائيل وميكائيل، رآهما عليه الصلاة والسلام في منامه، وقال: ((أَتَيَانِي، فَأَخَذَا بِيَدَيَّ، فَأَخْرَجَانِي إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ))؛ أي: المطهَّرة المطيَّبة، وهي الشَّام، أو المراد منه أرض المسجد الأقصى، أو هي دمشق وفلسطين، وكأنه إسراءٌ مناميٌّ من مكة، أو المدينة المنورة إلى المسجد الأقصى، إلى بوابة السماء، منها يعرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَفي رواية عِنْدَ الإمام أَحْمَد: ((إِلَى أَرْضٍ فَضَاءَ، أَوْ أَرْض مُسْتَوِيَة))؛ (حم) (20165) وَفِي حَدِيث عن عَلِيٍّ رضي الله عنه: ((فَانْطَلَقَا بِي إِلَى السَّمَاء))؛ العلل لابن أبي حاتم (2/ 347، ت. الحميد) ح (421).

وشاهدَ عدَّةَ مشاهد، أحصيتها في الحديث فوجدتها تسعةَ مشاهد:
المشهد الأول: قال صلى الله عليه وسلم: ((وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالا لِي: انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا))، ((فَإِذَا رَجُلٌ جَالِسٌ، وَرَجُلٌ قَائِمٌ بِيَدِهِ كَلُّوبٌ مِنْ حَدِيدٍ))؛ والكَلُّوب: حديدة مُعْوَجَّة الرأس لها عقفة، تُشبه الخطاف، أحدهما جالسٌ، والآخر واقف من ورائه، معه خطاف ((فَيُدْخِلُ ذَلِكَ الْكَلُّوبَ فِي شِدْقِهِ))، الشِّدْق: جَانِب الْفَم مما يلي الخَدَّ، ((فَيَشُقُّ شِدْقَهُ))، وفي رواية: ((فَيُشَرْشِرُ شِدْقَهُ))، عملية تمزيقٍ للحم، وتكسيرٍ للعظم، وتصور ما فيها من الألم والعذاب، قال: فيشق شدقه ((حَتَّى يَبْلُغَ قَفَاهُ، وَمَنْخِرَهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنَهُ إِلَى قَفَاهُ))، هذه المناطق الثلاثة تُشقُّ إلى القفا، ماذا فعل هذا؟ فلننتظرْ ولنستمع، ((ثُمَّ يَتَحَوَّلُ إِلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ بِالْجَانِبِ الْأَوَّلِ، فَمَا يَفْرُغُ مِنْ ذَلِكَ الْجَانِبِ، حَتَّى يَصِحَّ ذَلِكَ الْجَانِبُ)) العذاب مستمر، فيفعل به عندما يرى أنه رجع ((كَمَا كَانَ))، والْتَأمَ الجانبُ الأولُ فيشقُّه مرة أخرى، وهكذا يُقلِّبه ويعذِّبه، والنبي صلى الله عليه وسلم يرى ذلك، ماذا يقول؟ وهو يعلمُ أنَّ هذا المعذَّبَ من أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم، ((ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الْأُولَى، فَقُلْتُ: سُبْحَانَ اللهِ، مَا هَذَانِ؟!)) سؤال، يريد أن يعرف حتى يُعلِم أمَّتَه، (("فَقَالَا: انْطَلِقْ، انْطَلِقْ))؛ أي: لا جواب الآن، وانتظر الجواب فيما بعد.

أما المشهد الثاني: قال صلى الله عليه وسلم: ((فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ عَلَى قَفَاهُ))؛ أي: نائم على ظهره، ((وَرَجُلٌ قَائِمٌ عَلَى رَأْسِهِ بِصَخْرَةٍ))، بفهر، بحجر كبير ((فَيَشْدَخُ بِهَا رَأْسَهُ))؛ ونحن نتألَّمُ من ضربةِ عصًا، أو مطرقة تضرب بها إصبعك، فكيف بالرأس عندما يشدخ ويتكسر؟ نسأل الله السلامة، والشَّدْخُ: كَسْرُ الشَّيْءِ الْأَجْوَف. ((فَإِذَا ضَرَبَهُ تَدَهْدَهَ الْحَجَرُ))، تدهده: تدحرج وذهب بعيدًا عن مكان التعذيب من شدة الضربة، ((فَانْطَلَقَ إِلَيْهِ)) الرجل قائم عليه، ينطلق إلى الحجر؛ ((لِيَأْخُذَهُ، فلَا يَرْجِعُ إِلَى هَذَا)) الرجل المضطجع، ((حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ))؛ يعني: بعد عملية التكسير والشدخ يرجع الرأس كما كان، ((ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ الْمَرَّةَ الْأُولَى، فَقُلْتُ لَهُمَا: سُبْحَانَ اللهِ! مَا هَذَانِ؟! فَقَالَا لِي: انْطَلِقْ، انْطَلِقْ))، انطلق إلى:
المشهد الثالث، ((قَالَ)) صلى الله عليه وسلم:
((فَانْطَلَقْنَا إِلَى ثَقْبٍ مِثْلِ التَّنُّورِ))؛ التنُّور: الـمَوْقِدُ الذي يخبز فيه، يكون من أسفلَ واسعًا، ومن أعلى ضيقًا مثل التنور، ((أَعْلَاهُ ضَيِّقٌ وَأَسْفَلُهُ وَاسِعٌ، فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ))؛ اللَّغَط: الأصوات الـمُخْتَلِطَة الـمُبْهَمَة، والضَّجَّة لَا يُفهم معناها، ((وَأَصْوَاتٌ))، مختلفة، وأصوات مضطربة، ((قَالَ: فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ))، الفرن يأتيه اللهبُ من الأسفل، والخبز في الأعلى، هؤلاء الناس في الأعلى، واللهب من الأسفل، ومن شدة اللهب وقوته يتطايرون إلى أعلى التنور، حتى يكادوا أن يخرجوا، قال: ((فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللهَبُ ضَوْضَوْا))؛ أَيْ: رَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ مُخْتَلِطَةً، يَعْنِي: ضجُّوا وصاحوا، وأخرجوا أصواتًا مزعجة، وصراخًا وعويلًا من شدة اللهب، ((وَارْتَفَعُوا حَتَّى كَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا، فَإِذَا خَمَدَتْ)) النار، وخمد االلهبُ وتلاشى، قال: ((رَجَعُوا فِيهَا، فَقُلْتُ لَهُمَا)) يسأل صلى الله عليه وسلم: ((مَا هَؤلَاء؟!)) مَن هؤلاءِ مِن أمَّتي؟ ماذا فعلوا؟ ((فَقَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ))، يريدون أن يرياه أمورًا أخرى، ومشاهد عظيمة.

أما المشهد الرابع: ((قَالَ)) صلى الله عليه وسلم:
((فَانْطَلَقْنَا، حَتَّى أَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ مِنْ دَمٍ))، وليس دمًا باردًا؛ بل شديد الحرارة، الدم البارد لو خرج من جسمك تتقذَّر وتتأذَّى منه، فكيف إذا غطس الإنسان فيه وسبح، ((وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَعَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ بَيْنَ يَدَيْهِ حِجَارَةٌ كَثِيرَةٌ، فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ الَّذِي فِي النَّهَرِ لِيَخْرُجَ))، لا يريد أن يبقى في هذا العذاب، عذابِ الأذى والقذر والحرارة، نسأل الله السلامة، ((فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ؛ فَغَرَ))؛ أَيْ: فَتَحَ ((لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا، فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ))، فعاد يسبح في النهر، ((ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ))، يرجع إلى الرجل الذي على الشط وعنده الحجارة، ((كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ، فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا))، فلا يقع الحجرُ إلا ((فِي فِيهِ، فَرَدَّهُ حَيْثُ كَانَ، فَقُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَانِ؟ فَقَالَا لِي: انْطَلِقْ، انْطَلِقْ))؛ أي إلى:
المشهد الخامس: ((قَالَ)) صلى الله عليه وسلم:
((فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ كَرِيهِ الْمَرْآةِ))؛ أَيْ: قَبِيح الْمَنْظَر، قبيح الصورة، مخيفٌ مرعب، ((كَأَكْرَهِ مَا أَنْتَ رَاءٍ رَجُلًا مَرْآةً))، قال: ((وَإِذَا عِنْدَهُ نَارٌ يَحُشُّهَا))؛ أَيْ: يُوقِدهَا بالحطب ويُغذِّيها، وَقَالَ فِي التَّهْذِيب: حَشَشْتُ النَّارَ بِالْحَطَبِ: ضَمَمْتُ مَا تَفَرَّقَ مِنْ الْحَطَبِ إِلَى النَّار، ((وَيَسْعَى حَوْلَهَا))، يتفقد اضطرامها وسعيرها ((فَقُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟! فَقَالَا لِي: انْطَلِقْ، انْطَلِقْ))؛ أي: إلى المشهد التالي، وهذه مشاهدُ أخرى ستسمعونها من النبي صلى الله عليه وسلم، غير المشاهد الأولى، المشاهد التالية مشاهدُ بديعةٌ، مشاهدُ جميلةٌ، مشاهدُ مرغِّبةٌ للعمل الصالح.

المشهد السادس: قال صلى الله عليه وسلم:
((فَانْطَلَقْنَا، حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةٍ))، إلى بستانٍ وحديقةٍ ((خَضْرَاءَ، فِيهَا مِنْ كُلِّ نَوْرِ الرَّبِيعِ))، النَّوْر بِالْفَتْحِ: الزَّهْرُ، والمعنى فيها من كلِّ الورود والزهور، والألوان والروائح الطيبة، يوجد في هذه الروضة، ((وَفِيهَا شَجَرَةٌ عَظِيمَةٌ، وَفِي أَصْلِهَا شَيْخٌ، طَوِيلٌ))، شيخ رجل كبير السِّن طويل، يقول صلى الله عليه وسلم: ((لَا أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولًا فِي السَّمَاءِ، وَإِذَا حَوْلَ الرَّجُلِ مِنْ أَكْثَرِ وِلْدَانٍ رَأَيْتُهُمْ قَطُّ))، رأى الوِلْدان وهم الأطفال الذين لم يبلغوا سِنَّ الرشد والحلم، أقلّ من خمسةَ عشرَ عامًا، رآهم حول هذا الرجل، ((فَقُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَا؟ مَا هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَا لِي: انْطَلِقْ انْطَلِقْ))؛ أي إلى:
المشهد السابع: قال صلى الله عليه وسلم:
((فَصَعِدَا بِي فِي الشَّجَرَةِ))، ولنتصوَّر ذلك، ولنعلم أن الجنة تختلف عن الدنيا مطلقًا؛ وإنما ما نقوله تقريبٌ للأذهان، ((فَانْتَهَيْنَا إِلَى مَدِينَةٍ مَبْنِيَّةٍ))، إذًا فوق الشجرة مدينة، كيف تتصور ذلك؟ لن تتخيل ذلك إلا أن تراه بعينك، نسأل الله أن نراها عندما ندخل الجنة جميعًا، فوق الشجرة مدينة مبنية ((بِلَبِنِ ذَهَبٍ، وَلَبِنِ فِضَّةٍ))، اللَّبِن: جَمْع لَبِنَة، وَأَصْلهَا مَا يُبْنَى بِهِ مِنْ طِين، ولكن هذه صُنِعت من الذهب، وصنعت من الفضة، قال صلى الله عليه وسلم: ((لَمْ أَرَ قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهَا))، من هم الذين في هذه المدينة؟ ((فِيهَا رِجَالٌ شُيُوخٌ وَشَبَابٌ، وَنِسَاءٌ، وَصِبْيَانٌ))، ((فَأَتَيْنَا بَابَ الْمَدِينَةِ، فَاسْتَفْتَحْنَا))؛ أي: طلبنا الإذن بفتح الأبواب ((فَفُتِحَ لَنَا، فَدَخَلْنَاهَا)).



المشهد الثامن: قال صلى الله عليه وسلم:
((فَتَلَقَّانَا رِجَالٌ؛ شَطْرٌ))؛ أي:نصف ((مِنْ خَلْقِهِمْ كَأَحْسَنِ مَا أَنْتَ رَاءٍ)) منظرًا، ((وَشَطْرٌ كَأَقْبَحِ مَا أَنْتَ رَاءٍ))، نصف منهم جميل جدًّا وحسن، والنصف الآخر قبيح، ((فَقَالَا لَهُمْ)) الملكان: ((اذْهَبُوا فَقَعُوا فِي ذَلِكَ النَّهْرِ))؛ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَنْغَمِسُونَ فِيهِ؛ لِيَغْسِلَ تِلْكَ الصِّفَة بِهَذَا الْمَاءِ الْخَاصّ، ففي تلك اللحظة، ((وَإِذَا نَهَرٌ مُعْتَرِضٌ يَجْرِي))؛ أَيْ: يَجْرِي عَرْضًا، ((كَأَنَّ مَاءَهُ الْمَحْضُ فِي الْبَيَاضِ))، يشبه اللبن في البياض، و(الْمَحْض): هُوَ اللَّبَنُ الْخَالِصُ عَنِ الْمَاء، حُلْوًا كَانَ اللَّبَنُ أَوْ حَامِضًا ((فَذَهَبُوا فَوَقَعُوا فِيهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيْنَا قَدْ ذَهَبَ ذَلِكَ السُّوءُ عَنْهُمْ))، اغتسلوا فذهب عنهم ذلك القبح، وذهب عنهم ذلك السوء، والحمد لله رب العالمين ((فَصَارُوا فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَا لِي: هَذِهِ جَنَّةُ عَدْنٍ))؛ أَيْ: هَذِهِ الْمَدِينَةُ جَنَّةُ عَدْن، وهي التي رأياها.

المشهد التاسع: قال صلى الله عليه وسلم:
((ثُمَّ أَخْرَجَانِي مِنْهَا))؛ أي: من المدينة التي هي الجنة، ((فَصَعِدَا بِيَ الشَّجَرَةَ)) التي هي في الروضة الخضراء،نفس الشجرة فيها مدينة وفيها دار، ثم فيها مدينة أخرى أعلا منها، قال: ((فَأَدْخَلَانِي دَارًا هِيَ أَحْسَنُ وَأَفْضَلُ، فِيهَا شُيُوخٌ وَشَبَابٌ))، فقط كبار سِن؛ شيوخ، وفيها شباب، ((فَقُلْتُ: طَوَّفْتُمَانِي اللَّيْلَةَ، فَأَخْبِرَانِي عَمَّا رَأَيْتُ، فَقَالَا: نَعَمْ))، وبدآ يخبرانه، وسنخبركم بهذا في الخطبة التالية إن شاء الله.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

الخطبة الآخرة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه واهتدى بهداه إلى يوم الدين، أما بعد:
وبدأ المَلَكان يخبران رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمشاهد التسعة واحدًا تِلْوَ الآخر، ولنرجع بالذاكرة إلى المشاهد التي رآها صلى الله عليه وسلم، وتفسيرها وإيضاحها ومَنْ هم؟
تأويل المشهد الأول: الرجل الجالس، وآخر قائم عليه بكلوب وخطاف من حديد، يشرشر شدقه إلى قفاه، ومنخره إلى قفاه، وعينه إلى قفاه، قالا: ((أَمَّا الَّذِي رَأَيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ، فَكَذَّابٌ يُحَدِّثُ بِالْكَذْبَةِ، فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الْآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ))، وما أكثر الكذَّابين في هذا الزمان! عبر وسائل الإعلام، والقنوات الفضائية المسموعة والمرئية، وعبر شبكات التواصل أو التباعد؛ الفسبكة والتوترة والوتسبة، وما شابه ذلك، الكذب كثير يبلغ الآفاق، وإذا أراد أن يتراجع الإنسان عن تلك الكذبة فلا يستطيع، كيف يتراجع؟ وقد انتشرت الكذبة وحفظت في كتاب مرقوم، هذه عقوبته منذ أخبر النبي عن ذلك عندما رآه إلى يوم القيامة، فالكذَّاب يُعذَّب كل يوم؛ يشرشر شدقه وعينه ومنخره إلى قفاه، نسأل الله السلامة.

تأويل المشهد الثاني: قالا: ((وَالَّذِي رَأَيْتَهُ يُشْدَخُ رَأْسُهُ))، ويكسر ((فَرَجُلٌ عَلَّمَهُ اللهُ الْقُرْآنَ، فَنَامَ عَنْهُ بِاللَّيْلِ، وَلَمْ يَعْمَلْ فِيهِ بِالنَّهَارِ))، وفي رواية: ((يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ))، قَالَ ابْن هُبَيْرَة: رَفْضُ الْقُرْآنِ بَعْدَ حِفْظِهِ جِنَايَةٌ عَظِيمَة؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ أَنَّهُ رَأَى فِيهِ مَا يُوجِبُ رَفْضَه، فَلَمَّا رَفَضَ أَشْرَفَ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ الْقُرْآن، عُوقِبَ فِي أَشْرَفِ أَعْضَائِهِ، وَهُوَ الرَّأس.

((وَيَنَامُ عَنْ الصَلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ))، والتَّعْذِيبُ عَلَى مَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ: تَرْكِ الْقِرَاءَة، وَتَرْك الْعَمَل ((يُفْعَلُ بِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ))، والكثير يفرح بأنه حفظ قرآن الله، وكلام الله؛ لكن يا للأسف! مَن يتأدَّب بأدب قرآن الله وكلام الله؟ من يعمل بأحكامه ويأخذ بآدابه ويكون قرآنًا على الأرض يمشي؟ من يفعل ذلك؛ إلا مَن رَحِم الله، هنيئًا لمن حفظ القرآن، وعمل بما استطاع بما فيه من أوامر، وابتعد عمَّا فيه من زواجر.

تأويل المشهد الثالث: الرجالُ والنساءُ العراة في ذلك التنور، عندما يأتيهم اللهب من أسفل منهم ضوضوا، وأصدروا عويلًا وصراخًا، قالا: ((وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ، الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي))، مُنَاسَبَةُ الْعُرْيِ لَهُمْ لِاسْتِحْقَاقِهِمْ أَنْ يُفْضَحُوا؛ لِأَنَّ عَادَتَهُمْ أَنْ يَسْتَتِرُوا فِي الْخَلْوَة، فَعُوقِبُوا بِالْهَتْكِ، وَالْحِكْمَةُ فِي إِتْيَانِ الْعَذَابِ مِنْ تَحْتِهِمْ كَوْنُ جِنَايَتِهِمْ مِنْ أَعْضَائِهِمْ السُّفْلَى.

وانتشر الزِّنا في شرق الأرض وغربها، من غير نكير؛ إلا من رحم الله، انتشر زنا العينين؛ عبر الجوالات، والأجهزة الحديثة، وانتشر الزنا بملامسة النساء والتحرش بهن، وانتشر الزنا الحقيقي؛ لكن في بلادنا مخفيٌّ لا يظهر، في بلاد أخرى يكون علنًا، نسأل الله السلامة، هؤلاء يُعذَّبون به في الأماكن الحساسة.
فالذي كذب يشرشر شدقه، والذي ينام عن الصلاة يشدخ رأسه، والذي يزني يُعذَّب في أعضاء التناسل، وأماكن اللذة.

تأويل المشهد الرابع: الرجل الذي يسبح في نهر من الدم، نسأل الله السلامة، فقد قال الملكان:
((وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الْحَجَرَ؛ فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا))، إنه المرابي، وانتشر الرِّبا في هذا الزمان، ونسأل الله السلامة، حتى لا يكاد يسلم منه أحد.

تأويل المشهد الخامس: قالا: ((وَأَمَّا الرَّجُلُ الْكَرِيهُ الْمَرْآةِ الَّذِي يُوقِدُ النَّارَ))، ويحشها ويغذيها ((فَـ)) هو ((مَالِكٌ خَازِنُ النَّارِ))، يستقبل الكفارَ بوجه كريه، مخيفٍ مرعب؛ لأن المسألة ليست نزهةَ في جهنم، لا! بل تبدأ برؤيةٍ مالك خازن النار في صورة يستحقونها، ينعدم معها الأمن والأمان، ويحل الخوف والرعب، نسأل الله السلامة.

تأويل المشهد السادس: قالا: ((وَالشَّيْخُ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام))، إنه الشيخ الطويل الذي يقول عنه النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا أكاد أرى رأسه طولًا في السماء))، فهو الخليل إبراهيم عليه السلام، الذي أُمِرْنا نحن في كتاب الله؛ أن نتبع ملة إبراهيم حنيفًا، وما كان من المشركين، ملة إبراهيم الحنيفية، ملة الفطرة السليمة؛ لذلك رأى حوله الصبيان وكل مولود وُلِد على الفطرة، قالا: ((وَأَمَّا الْوِلْدَانُ الَّذِينَ حَوْلَهُ؛ فَكُلُّ مَوْلُودٍ مَاتَ عَلَى الْفِطْرَةِ))، فَقَالَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ: (يَا رَسُولَ اللهِ وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ؟) حتى أولاد اليهود والنصارى والغربيين والشرقيين، (فَقَالَ صلى الله عليه وسلم): ((وَأَوْلَادُ الْمُشْرِكِينَ))، أطفالٌ ماتوا على الفطرة هؤلاء يحويهم إبراهيم حوله عليه السلام.

تأويل المشهد السابع: ((وَالدَّارُ الْأُولَى الَّتِي دَخَلْتَ))؛ أي: التي دخلها عليه الصلاة والسلام، التي فيها رجال شيوخ وشباب، ونساء وأطفال وهي ((دَارُ عَامَّةِ الْمُؤْمِنِينَ))، الجنة لجميع المؤمنين؛ إذن هناك دار أعلى منها، قالا: ((وَأَمَّا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَانُوا شَطْرٌ مِنْهُمْ حَسَنٌ، وَشَطْرٌ مِنْهُمْ قَبِيحٌ، فَإِنَّهُمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا، تَجَاوَزَ اللهُ عَنْهُمْ))، نسأل الله عز وجل أن يتجاوز عنا جميعًا.

والمشهد التاسع والأخير من المشاهد فتأويله: قالا: ((وَأَمَّا هَذِهِ الدَّارُ)) التي فيها شيوخ وشباب فقط، ((فَدَارُ الشُّهَدَاءِ))، فدارهم ومنزلتهم أعلى من عموم المؤمنين، قال جبريل عليه السلام: ((وَأَنَا جِبْرِيلُ، وَهَذَا مِيكَائِيلُ، فَارْفَعْ رَأسَكَ))، يقول صلى الله عليه وسلم: ((فَرَفَعْتُ رَأسِي؛ فَإِذَا فَوْقِي قَصْرٌ مِثْلُ السَّحَابَةِ الْبَيْضَاءِ))، ((فَقَالَا لِي: ذَاكَ مَنْزِلُكَ))، لا تقل: جاذبية، الجاذبية في الأرض، القصور هناك في الهواء، وترى أقاربك كما ترى الآن النجوم في السماء، لا تقس الدنيا بالآخرة، لا تقس نبات الدنيا وما فيها بنبات الآخرة وما فيها، فقصْرُ النبي صلى الله عليه وسلم سحابة في السماء.

((فَقُلْتُ: دَعَانِي أَدْخُلْ مَنْزِلِي))، فما دمنا وصلنا إلى قصري ومنزلي في الجنة؛ فاتركاني أدخله! ((فَقَالَا: إِنَّهُ بَقِيَ لَكَ عُمُرٌ لَمْ تَسْتَكْمِلْهُ، فَلَوْ اسْتَكْمَلْتَهُ أَتَيْتَ مَنْزِلَكَ))، (م) (2275)، (خ) (1386)، (4674)، (7047)، (حم) (20165).

والنبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل منزله الذي في الآخرة، وسيدخله إن شاء الله، والمؤمنون سيدخلون الجنة، والدور إما الأولى أو الثانية، سيدخل كل واحد التي كتبها الله له بحسب عمله.

فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا لأحسن الأخلاق، فإنه لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرفَ عنا سيئها، ولا يصرف عنا سيئها إلا هو.

وصلوا على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات يا رب العالمين.

اللهم لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنبًا إلا غفرته، ولا همًّا إلا فرَّجته، ولا دَينًا إلا قضيتَه، ولا مريضًا إلا شفيتَه، ولا مبتلًى إلا عافيته، ولا غائبًا أو سجينًا إلَّا أطلقته وأرجعته إلى أهله سالمًا غانمًا يا رب العالمين.



وأنت يا مؤذِّن أَقِمِ الصَّلَاةَ ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾ [العنكبوت: 45].

روح غاليها 11-04-2022 03:05 PM

ملكة الحنان
مواضيعك دايم تشدني
موضوع ممتع حيل
الله لايحرمني منك

أميرة قلبة 11-04-2022 03:56 PM

بارك الله فيك على الموضوع القيم والمميز
وفي إنتظار جديدك الأروع والمميز
لك مني أجمل التحيات
وكل التوفيق لك يا رب

بليت بك 11-04-2022 03:56 PM

بيض الله وجهك
على هالابداع الغير مستغرب ..

نبض القلوب 11-04-2022 03:56 PM

سلمت يداك على الطرح الطيب
يعطيك ربي العآفيه
لك خالص احترامي

سكون 11-04-2022 04:13 PM

يعطيك الف عافيه
ربي يسعدك على جمال طرحك ْ~

فتنه 11-04-2022 04:38 PM

الله يسعدك ابداعك فاق الحدود والله ):

عطرك هوايا 11-04-2022 05:16 PM

شكرآ لـ هذة اللفته
الله لايحرمنا منك ومن ابداعاتك الشيقة ..
دمت لنآ

شموخ انثى 11-04-2022 06:14 PM

عوافي ي بعد راسي ~

الفجر البعيد 11-04-2022 07:13 PM

ماشاء الله تبارك الله
أخترت فأبدعت
وجلبت فأفدت
الله يسلم يمينك ~


الساعة الآن 10:37 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
هذا الموقع يستخدم منتجات Weblanca.com
new notificatio by 9adq_ala7sas
User Alert System provided by Advanced User Tagging (Lite) - vBulletin Mods & Addons Copyright © 2024 DragonByte Technologies Ltd.

ارشفة إكساء هوست

1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 23 24 25 26 27 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 51 52 53 54 55 56 57 58 59 60 61 62 63 64 65 66 67 68 69 70 71 72 73 74 75 76 77 78 79 80 81 82 83 84 85 86 87 88 89 90 91 92 93 94 95 96 97 98 99 100 101 102