وبعد؛ فإنّ الآيات في هذا الباب وفيرةٌ كثيرةٌ ، وأنت ترى جليًّا نصر الله الخالد لهذا الرسول الكريم في كتابه العظيم؛ فلا والله لا يضره شيء من أذاهُم أبدا؛ ولا والله لا يمسه سوء بفعالهم تلك، ولا تحيق تلك الإساءات إلا بأهلها.
وما ذكرت من آياتٍ سلفت في هذه السلسلة من هذا الموضوع؛ إنما هو استدلالاً لا استقصاء؛ وأما ذِكر نصرِ الله لنبيه ــ صلى الله عليه وسلم ــ في السنة فاسأل عنها الصحيحين، والسنن، والمسانيد؛ تجدها قد غصت بذلك.
والذي أريد قوله في هذا المقام: أن المسلم يطمع في كل فرصة تلوح أن يستغلها في الدعوة إلى الله، والتعريف بشرعه العظيم؛ وإنني أرى أن هذه الأحداث فرصةٌ عظيمة لدعوة القوم إلى هدي الرحمة المهداة، والنعمة المسداة؛ فلا تيأس ــ يا رعاك الله ــ!
فكم كان في الرعيل الأول من عدوّ للإسلام شديد العداوة؛ ثم شرح الله صدره فكان ذو المكانة المشهودة، والمواقف المحمودة ؟!
فهذا ثمامة ــ رضي الله عنه ــ يقول للرسول صلى الله عليه وسلم ــ بعد أن شرح الله صدره للإسلام ــ : (...وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ وَجْهِكَ ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ أَحَبَّ الوُجُوهِ إِلَيَّ ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ أَحَبَّ البِلاَدِ إِلَيَّ(… . صحيح البخاري
وكم حُفِظت من مواقف متشاكسة، وردود متعاكسة، للرعيل الأول؛ في هذا الباب؛ فليس الشأن إلا أن يشرح الله صدره؛ فيعود مسلما مستسلما لأمر الله ونهيه، ذابّا عن شرعه، فاديا لرسول الله صلى الله عليه وسلم بأبيه وأمه؛ ولكن السؤال لنا:
ما الأسباب التي بذلناها لهداية القوم ودعوتهم، وتعريفهم بسيرة هذا النبي العظيم الذي يعادونه؟!
من منّا انبرى ليبلغهم آيات الله؛ فإن لها سطوة على القلوب، وسلطانا على العقول، ويسمعهم حقيقة هذه الشريعة السمحاء؟!
كم نرجوا أن يعرف كل مسيء لجناب رسول الله صلى الله عليه وسلم سيرته الغراء؟!
وإنه وإن وجد في القوم أشقياء؛ أعداء ألداء، يبغضون الإسلام والمسلمين، والحقد في قلوبهم لهذا الدين دين، ففيهم ولا بد من عُمّي عليه ولبّس، واتبع كبيره كما فعل أشياعه من قبل؛ فهل نبذل المستطاع؛ لإنقاذ من أنقذه الله، وهداية من هداه الله (فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم) متفق عليه؟!
وإنني أقرأ آيات من كتاب الله أوقن أيما يقين أنهم لو سمعوها وعقلوها لاهتدى بها منهم جبلا كثيرا! ولارعوى بها خلقا غريرا! فأين المشمر لهذا المشروع العظيم؟!
كيف هم لو تليت عليهم هذه الآية: ﴿ يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا ﴾ ؟!